حديث بنيان الكعبة

حدثنا أحمد بن عبد الجبار: نا يونس بن بكير عن ابن اسحق قال: فأقامت قريش في كل قبيلة منها أشراف، فليس بينها اختلاف ولا نائرة. ثم إن قريشاً أجمعوا على بنيان الكعبة، وكانوا يهمون بذلك فيهابون هدمها، وإنما كانت رضماً فوق القامة، فأرادوا رفعا وتسقيفها وذلك أن نفراً من قريش سرقوا كنز الكعبة، وكان يكون في بئر جوف الكعبة.

 وكان الذي وجد عنده الكتر دويل -أو دويد، شك أبو عمر- مولى لنبي مليح بن عمرو من خزاعة، فقطعت قريش يده من بينهم، وكان ممن اتهم في ذلك الحارث بن عامر بن نوفل، وكان أخا الحارث بن عامر بن نوفل بن عبد مناف لأمه أبو وهب بن عبد المطلب، فهو الذي تزعم قريش أنهم وضعوا كتر الكعبة حين أخذوه عند وديل - أو دويد - فلما أتتهم قريش دولهم على دويل - أو دويد - فقطعوه، ويقال: إنهم وضعوه عنده، وذكروا أن قريشاً حين استيقنوا بأن ذلك كان عند الحارث بن عامر بن نوفل بن عبد مناف، فخرجوا به إلى كاهنة من كهان العرب، فسجعت عليه من كهانتها بأن لا يدخل مكة عشر سنين بما استحل من حرمة العبة، فزعموا أنهم أخرجوه من مكة، فكان فيما حولها عشر سنين.

وكان البحر قد رمى بسفينة إلى جدة لرجل من الروم فتحطمت، فأخذوا خشبها فأعدوه لسقفها، وكان بمكة رجل قبطي نجار، فتهيأ لهم في أنفسهم في بعض ما يصلحها. وكانت حية تخرج من بئر الكعبة التي كان يطرح فيها مما يهدي لها كل يوم، فتشرق على جادر الكعبة، وكانت مما يهابون، وذلك أنهم زعموا قلما كان يتقرب من بئر الكعبة أحد إلا احزألت وكشت، وفتحت فاها فكانوا يهابونها، فبينما هي يوماً تشرق على جدار الكعبة كما كانت تصنع، بعث الله عز وجل عليها طائراً لا يدرون ما هو فاختطفها من متشرقها، فذهب بها، فقالت قريش: إنا نرجو أن يكون الله عز وجل قد رضي ما أردنا، عندنا عامل رفيق، وعندنا الخشب، وقد ذهب الله تعالى بالحية، وذلك بعد الفجار بخمس عشرة سنة، ورسول الله صلى الله عليه وسلم إذ ذاك ابن خمس وثلاثين سنة.

فلما أجمعوا أمرهم على هدمها وبنائها قام أبو وهب عامر بن عائذ بن عبد بن عمران بن مخزوم فتناول من الكعبة حجراً، فوثب من يده حتى رجع إلى موضعه -فيما يزعمون -فقال: يا معشر قريش لا تدخلن في بنيانها من كسبكم إلا طيبا ولا تدخلن فيها مهر بغي، ولا بيع ربا، ولا وظلمة من أحد من الناس، وينحلون هذا الكلام الوليد بم المغيرة.

نا أحمد: نا يونس عن ابن اسحق قال: حدثني عبد الله بن أبي نجيع أنه حدث عن عبد الله بن صفوان بن أمية أنه رأى ابناً لجعدة بن هبيرة بن أبي وهب بن عمرو بن عائذ بن عبد عمران بن مخزوم يطوف بالبيت فسأل عنه، فقيل هذا ابن جعدة بن هبيرة بن أبي وهب، فقال عبد الله بن صفوان: إن جده يعني أبا وهب هو الذي أخذ من الكعبة حجراً حين أرادت قريش هدمها فوثب من يده حتى رجع إلى موضعه، فقال عند ذلك: يا معشر قريش لا تدخلوا فيها من كسبكم إلا طيباً، لا تدخلوا مهر بغي، ولا بيع ربا، ولا مظلمة لأحد من الناس، وأبو وهب خال رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان شريفاً، وله يقول شاعر من العرب:

لو بأبي وهب أنخت ميتي لرحت وراحت رحلها غير خائب
وأبيض من فرعي لؤي بن غالب إذا حصلت أنسابه للذوائب
أبي لأخذ الضيم يرتاح للندى توسط جداه فروع الأطايب
عظيم رماد القدر يملا جفانه من الخبر يعلوهن مثل السبائب

حدثنا أحمد: نا يونس عن ابن اسحق قال: ثم تجزأت قريش الكعبة، فكان شق الباب لبني مخزوم وتيم وقبائل من قريش الكعبة، فكان شق الباب لبني عبد مناف، وبني زهرة، وكان مما بين الركنين الأسود والركن اليماني لبني مخزوم وتيم وقبائل من قريش ضموا إليهم، وكان ظاهرها لسهم وجمع، وكان شق الحجر، وهو الحطيم، لبني عبد الدار بن قصي، ولبني أسد بن عبد العزى بن قصي، وبني عدي بن كعب، ثم إن الناس هابوا هدمها، وفرقوا منه، فقال الوليد بن المغيرة: أنا أبؤوكم في هدمها، فأخذ المعول، فقام عليها، ثم قال: اللهم لا تردع، اللهم إنا لا نريد إلا الخير، ثم هدم من ناحية الركنين فتربص الناس تلك الليلة وقالوا: ننظر ماذا يصيبه، فإن أصيب لم دم منها شيئاً ورددناها كما كانت، وإن لم يصبه شيء فقد رضي الله عز وجل ما صنعناه، فأصبح غادياً يهدم وهدم الناس معه فلما انتهى الهدم إلى أس الكعبة اتبعوه حتى انتهوا إلى حجارة خضر كالأسنة آخذ بعضها بعضاً.

حدثنا أحمد: نا يونس عن ابن اسحق قال: حدثت أن رجالاً من قريش ممن كان يهدمها قالوا أدخل رجل بين حجرين منها العثلة ليقلع إحدهما، فلما تحرك الحجر تنقضت مكة بأسرها، فهابوا عند ذلك تحريك ذلك الأس.

حدثنا أحمد: نا يونس عن ابن اسحق قال: حدثنا يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير عن أبيه عباد قال: حدثت أنهم وجدوا في أس الكعبة أو في بعضها شيئاً من صفر مثل بيض النعام مكتوب في احدهما: هذا بيت الله عز وجل الحرام رزق أهله من كذا، لا يحله أول من أهله، وفي الأخرى: براءة لبني فلان حي من العرب، من حجة لله حجوها.

نا أحمد: نا يونس عن ابن اسحق قال: وحدثت أن قريشاً وجدت في الركن، أو في بعض المقام كتاباً بالسريانية لم يدورا ما هو حتى قرأه عليهم رجل من يهود: أنا الله ذو بكة خلقتها يوم خلقت السموات والأرض وصنعت الشمس والقمر، وحففتهما بسبعة أملاحك حنفاء لا يزولون حتى تزول أخاشبها، مبارك لأهلها في الماء واللبن.

وحدثت أنهم وجدوا في المقام كتاباً فيه: مكة الحرام يأتيها رزقها من ثلاثة سبل، لا يحلها أول من أهلها.

نا أحمد: يونس عن زكريا بن أبي زائدة عن عامر الشعبي قال: حدثني من قرأ في أسفل المقام أو في تختجة في سقف البيت:؛ أنا الله ذو بكة، بنيته على وجه سبعة أملاك حنفاء، باركت لأهله في اللحك، والماء، وجعلت رزقهم من ثلاثة سبل، ولا يستحل حرمتها أول من أهلها.

نا أحمد: نا يونس عن المنذر بن ثعلبة عن سعيد بن حرب قال: شهدت عبد الله بن الزبير وهو يقلع القواعد التي أسس إبراهيم صلى الله عليه وسلم لبناء البيت فأتوا تربة صفراء عند الحطيم، فقال ابن الزبير: هذا قبر اسماعيل عليه السلام فواراه.

نا أحمد: نا يونس عن ابن اسحق قال: ثم جمعت القبائل من قريش لبنائها كل قبيل تجمع على جدبها ثم بنوا حتى بلغ البناء موضع الركن فاختصموا في رفع الركن، كل قبيلة تريد أن ترفعه دون الأخرى، فقالت كل قبيلة نحن نرفعه حتى تحازبوا أو تحالفوا، وأعدوا القتال، فقربت بنو عبد الدار جفنة فملؤوها دماً، ثم تحالفوا هم وبنو عدي بن كعب على الموت، فأدخلوا أيديهم في تلك الجفنة فغمسوها في الدم، فقال في ذلك عكرمة بن عامر بن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار:

والله لا نأتي الذي قد أرتم ونحن جميع او نخضب بالدم
ونحن ولاة البيت لا تنكرونه فكيف على علم البرية نظلم
لنبغي به الحمد الذي هو نافع ونخشى عقاب الله في كل محرم
فكيف ترومونا وعز قناتنا له مكسر صلب على كل معلم
فهيهات أنى يقرب الركن سالم ونحن جميع عنده حين يقسم
فإما تخلونا وبيت حجابنا وإما تنوؤا ذلك الركن بالحرم

فأجابه وهب بن عبد مناف:

أبلغ قريشاً إذا ما جئت أكرمها أنا أبيتا فلا نؤتيكم غلبا

إنا أبينا إلي الغصب ظاهرة إنا وجدك لا نؤتيكم سلبا
نحن الكرام فلا حي يقاربنا نحن الملوك ونحن الأكرمون أبا
وقد أرى محدثاً في حلفنا ظهراً كما ترى في حجاب الملك محتجبا
أبا لنا عزنا ماذا أراد بنا قوم أرادوا بنا في حلفهم عجبا
قوم أرادوا بنا خسفاً لنقبله كلا وربك لا نؤتيهم غضبا

حدثنا احمد: نا يونس عن ابن اسحق قال: فمكثت قريش اربع ليال، أو خمساً، بعضهم من بعض، ثم أنهم اجتمعوا في المسجد فتشاوروا، وتناصفوا، فزعم بعض أهل العلم والرواية أن أبا امية، وكان كبيراً، وسيد قريش كلها، قال: يا معشر قريش اجعلوا بينكم فيما تختلفون فيه أول من يدخل عليكم من باب المسجد، فلما توافقوا على ذلك، ورضوا به، دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم، رأوا قالوا: هذا الأمين قد رضينا بما قضى بيننا، فلما انتهى إليهم أخبروه الخبر، فقال: هلموا ثواباً، أوه به، فوضع رسول الله صلى الله عليه وسلم الركن فيه بيديه ثم قال: لتأخذ كل قبيلة بناحية من الثوب، ثم ارفعوا جميعاً، فرفعوه حتى إذا بلغوا به موضعه وضعه رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده، ثم بنى عليه، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسمى في الجاهلية الأمين قبل أن يوحى إليه.

نا أحمد نا يونس عن ابن اسحق قال: كنت جالساً مع أبي جعفر محمد بن علي فمر بنا عبد الرحمن الأعرج، مولى ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب، فدعاه فجاءه فقال: يا اعرج ما هذا الذي تحدث به أن عبد المطلب هو الذي وضع حجر الركن في موضعه؟ فقال: أصلحك الله حدثني من سمع عمر ابن عبد العزيز يحدث أنه حدث عن حسان بن ثابت يقول: حضرت بنيان الكعبة، فكأني أنظر إلى عبد المطلب جالساً على السور شيخ كبير قد عصب له حاجباه حتى رفع إليه الركن، فكان هو الذي وضعه بيديه، فقال: انفذ راشداً، ثم اقبل علي أبو جعفر فقال: إن هذا الشيء ما سمعنا به قط، وما وضعه إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده، اختلفت فيه قريش فقالوا: أول من يدخل عليكم من باب المسجد فهو بينكم، فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالوا: هذا الأمين، فحكموه، فأمر بثوب فبسط، ثم أخذ الركن بيديه، فوضعه على الثوب، ثم قال: لتأخذ كل قبيلة من الثوب بناحية، وارفعوا جميعاً، فرفعوا جميعاً، حتى إذا انتهوا به إلى موضعه أخذه رسول صلى الله عليه وسلم فوضعه في موضعه بيده ثم بني عليه.

نا أحمد: نا يونس عن ابن اسحق قال: ورسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ ابن خمس وثلاثين سنة، ونزل عليه الوحي بعد بناء الكعبة بخمس سنين، وهو ابن أربعين سنة، وأقام بمكة ثلاثة عشرة سنة ثم هاجر إلى المدينة.

نا أحمد نا يونس عن ابن اسحق قال: ثم سقفت فكان ذلك أول ما سقفت الكعبة، فلما فرغوا من البنيان وبنوها على ما ارادوا قال الزبير بن عبد المطلب فيما كان من أمر الحية التي كانت قريش تهاب بنيان الكعبة لها، فقال:

عجبت لما تصوبت العقاب إلى الثعبان وهي لها اضطراب
وقد كانت يكون لها كشيش واحياناً يكون لها وئاب
إذا قمنا إلى البنيان شدت تهيبنا البناء وقد تهاب
فلما أن خشينا الرجز جاءت عقاب قد يظل لها الضباب
فضمنها إليها ثم خلت لنا البنيان ليس له حجاب
فقمنا حاشدين على بناء لنا منه القواعد والتراب
غداة نرفع التأسيس منه وليس على مساوينا ثياب
أعز به الملك بني لؤي فليس لأصله منهم ذهاب
وقد حشدت هناك بنو عدي ومرة قد تقدمها كلاب
فبوأنا المليك بذاك عزا وعند الله يلتمس الثواب

وقال الوبير بن عبد المطلب في ذلك أيضاً:

لقد كان في أمر العقاب عجيبة ومخطفها الثعبان حين تدلت
فكان مدى الأبصار آخر عهدنا بها بعدما باتت هناك وطلت
إذا جاء قوم يرفعون عماده من البيت شدت نحوهم واحزألت
فما برحت تحتى ظننا جماعة بأن علينا لعنة الله حلت
فقلنا جميعاً قد علمنا خطية فعسى لنا والحلم منا أضلت

وقال الوليد بن المغيرة في بنيان الكعبة وشأن الحية:

لقد كان في الثعبان يا قوم عبرة ورأي لمن رام الأمور على ذعر
غداة هوى النسر المحلق يرتمي به غير حمد منكم يا بني فهر
على حين ما ضلت حلوم سراتكم وخفتم بأن لا ترفعوا آخر الدهر

حدثنا أحمد: نا يونس عن ابن اسحق قال: وأنزل الله عز وجل علة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم حين أحكم أمره، وشرع له سنن حجه ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس واستغفروا الله. الآية يعني قريشاً والناس العرب في سنة الحج إلى عرفات والوقوف عليها، والإفاضة منها، وأنزل الله تعالى فيما كانوا حرموا على الناس من طعامهم ولباسهم عند البيت حين طافوا عراة وحرموا ما جاءوا به من الطعام ولباسهم عند البيت حين طافوا عراة وحرموا ما جاءوا به من الطعام من الحل: "يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين. قل من حرم زينة الله" إلى آخر الآية.

فوضع الله تعالى امر الخمس وما كانت قريش ابتدعن من ذلك على الناس في الأسلام حين بعث الله عز وجل رسوله محمداً صلى الله عليه وسلم.

نا أحمد: نا يونس عن ابن اسحق قال: حدثني عبد الله بن أبي بكر عن عثمان بن أبي سليمان عن نافع بن جبير بن مطعم عن أبيه جبير بن مطعم أنه قال: لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقف على بعير له بعرفات من بين قومه حتى يدفع معهم توفيقاً من الله عز وجل له.

نا أحمد: نا يونس عن ابن اسحق، قال وكانت الأحبار من اليهود، والرهبان من النصارى، والكهان من العرب قد تحدثوا بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل مبعثه لما تقارب من زمانه. أما الأحبار من يهود، والرهبان من النصارى فيما وجدوا من صفته في كتبهم وصفة زمانه لما كان في عهد انبيائهم اليهم فيه، واما الكهان من العرب فتأتيهم به الشياطين من الجن فيما يستقون من السمع اذ كانت وهي لا تحجب عن ذلك بالقذف بالنجوم، وكان الكاهن والكاهنة من العرب لا يقع منهما ذكر بعض امره لا تلقى العرب فيه بالاً حتى بعثه الله عز وجل، ووقعت تلك الأمور التي كانوا يذكرون، فعرفوها، فلما تقارب أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحضر مبعثه حجبت الشياطين عن السمع، وحيل بيتها وبين المقاعد التي كانت تقعد لاستراق السمع فيها فرموا بالنجوم، فعرفت الجن أن ذلك لأمر حدث من الله عز وجل في العباد يقول الله تعالى لنبيه عليه السلام حين بعثه، وهو يقص عليه خبر الجن إذ حجبوا عن السمع، فعرفوا ما عرفوا وما أنكروا من ذلك حين رأوا ما رأوا: "قل اوحي إلي انه استمع" إلى قوله: "ام أراد بهم ربهم رشداً".

فلما سمعت الجن القول عرفت انما منعت من السمع قبل ذلك له لأن لا يشاكل الوحي شيء من خبر السماء، فيلتبس على أهل الأرض ما جاءهم من الله عز وجل وقطع الشبه، فآمنوا وصدقوا ثم "ولوا إلى قومهم منذرين. قالوا يا قومنا إنا سمعنا كتابا" إلى آخر الآية.

وكان قول الجن أنه كان رجال من الأنس يعوذون برجال من الجن فزادهم رهقاً انه كان رجال من العرب، من قريش وغيرهم، إذا سافر الرجل فترل ببطن واد من الأرض ليبيت به قال اني أعوذ بعزيز هذا الوادي من الجن الليلة، من شر ما فيه.

نا أحمد نا يونس عن ابن اسحق قال: حدثني بعض اهل العلم أن امرأة من بني سهم يقال لها العيطالجه كانت كاهنة في الجاهلية جاءها صاحبها ليلة من الليالي فانقض تحتها فقال: إذن من أذن يوم عقر ونحر، فقالت قريش حين بلغها ذلك: ما يريد؟ جاءها ليلة اخرى، فانقض تحتها فقال: شعوب ما لشعوب تصرع فيه كعب لجنوب، فلما بلغ ذلك قريشاً قالوا: ماذا يريد؟ إن هذا الأمر هو كائن، فعروفا أنه كان
الذي جاء به إلى صاحبته.

نا أحمد: نا الحسن عن جرير بن عبد الحميد عن منصور عن ابراهم في قوله تعالى: "وإنه كان رجال من الإنس يعوذون برجال من الجن فزادهم رهقاً" قال: كانوا إذا نزلوا وادياً قالوا: إنا نعوذ بسيد هذا الوادي من شر ما فيه قال: فيقول الجنيون تتعوذون بنا نحن لا نملك لأنفسنا ضراً ولا نفعاً! قال: "فزادهم رهقاً" قال: فازادوا عليهم جرأة.

حدثنا أحمد: نا يونس عن ابن إسحق قال: وكان هذا الحي من الانصار يتحدثون مما كانوا يسمعون من يهود من ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم، أن أول ذكر وقع بالمدينة، قبل مبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم، أن فاطمة ام النعمان بن عمرو، اخي بني النجار - وكانت من بغيا الجاهلية- وكان لها تابع، فكانت تحدث انه كان إذا جاءها اقتحك البيت الذي هي فيه، اقتحاماً على من فيه حتى جاءها يوماً، فوقع على الجدار ولم يصنع كما كان يصنع، فقالت له: ما لك اليوم؟ قال: بعث نبي بتحريم الزنا. نا أحمد: نا يونس عن ابن اسحق قال: حدثني يعقوب بن عقبة بن المغيرة بن الأخنس عن عبيد الله بن عبد الله بن عتيبة بن مسعود أنه حدثه: أن رجلاً من ثقيف يقال له عمرو بن أمية، وكان منادهى العرب، وكان يضن برأيه على الناس؛ قال يعقوب: فلما رمي بالنجوم، كان أول حي فزع لها من الناس ثقيف، فجاءوا إلى عمر بن أمية فقالوا له: هل علمت بهذا الحدث الذي كان؟ فقال: وما هو؟ فقالوا: نجوم السماء يرمى بها، قال: ويحكم انظروا فإن كانت هي المعالم التي يهتدي بها في البر والبحر، وتعرف بها الأنواء من الشتاء والصيف لصلاح معايش الناس، فهو والله فناء الدنيا، وفناء هذا الخلق، وأن كان غيرها، فهو لأمر حدث اراد الله عز وجل به هذا الخلق، فانظروا ما هو؟

نا أحمد: نا يونس عن ابن اسحق قال: حدثني الزهري عن علي بن حسين عن ابن عباس قال: حدثني رهط من الأنصار قالوا: بينا نحن جلوساً مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات ليلة، إذ رأى كوكباً، فقال ما تقولن في هذا الكوكب الذي رمي به؟ فقلنا: يولد مولود، يهلك هالك، يملك ملك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ليس كذلك، ولكن الله عز وجل إذا قضى امراً في السماء سبح بذلك كله العرش فيسبح لتسبيح إلى السماء الدنيا فيقول أهل السماء الدنيا لمن يليهم من الملائكة مم سبحتم؟
فيقولون: ما ندري، سمعنا من فوقنا من الملائكة سبح فسبحنا الله عز وجل لتسبيحهم، ولكنا نسل، فيسلون من فوقهم، فما يزالون كذلك حتى ينتهي إلى حملة العرش، فيقولون: قضى الله عز وجل كذا وكذا، فيخبرون به من يليهم حتى ينتهوا إلى أهل السماء الدنيا فيسترق الجن ما يقولون، فيترلون به إلى أوليائهم من الإنس فيلقونه على ألسنتهم، بتوهم منهم فيخبرون الناس، فيكون بعضه حقاً، وبعضه كذبا، فلم يزل الجن كذلك حتى رموا بهذه الشهب.

نا أحمد: نا يونس عن يونس بن عمرو عن أبيه عن سعيد بن جبير عن ابن عباس: إن الشياطين كانوا يصعدون إلى السماء، فيستمعون الكلمة من الوحي، فيهبطون بها إلى الأرض، فيزيدون معها تسعاً، فيجد أهل الأرض تلك الكلمة حقاً والتسع باطلاً، فلم يزالوا بذلك حتى بعث الله عز وجل محمداً صلى الله عليه وسلم، فمنعوا تلك المقاعد، فذكروا ذلك لإبليس، فقال: حدث في الأرض حدث، فبعثهم، فوجدوا
رسول الله صلى الله عليه وسلم يتلو القرآن بين حبلي نخل، فقالوا: هذا والله الحدث، وإنهم ليرمون فإذا توارى النجم عنكم فقد ادركه لا يخطئ أبداً، ولكنه لا يقتله، يحرق وجهه وجنبه ويده.

نا أحمد نا يونس عن ابن اسحق قال: وقد كانت خديجة بنت خويلد قد ذكرت لورقة بن نوفل بن أسد، وكان ابن عمها، وكان نصرانياً قد تبع الكتب، وعلم من علم الناس ما ذكر لها إلامها ميسرة من قول الراهب، وما كان يرى منه، إذ كان الملكان يظلانه، فقال ورقة: لئن كان هذا حقاً يا خديجة، أن محمداً لنبي هذه الأمة، قد عرفت أنه كائن لهذه الأمة نبي ينتظر، هذا زمانه- أو كما قال ، فجعل ورقة يستبطئ الأمر ويقول: حتى متى، فكان فيما يذكرون يقول أشعاراً يستبطئ فيها خبر خديجة، ويتريث ما ذكرت له، فقال ورقة بن نوفل:

أتبكر أم أنت العشية رائح وفي الصدر من اضمارك الحزن قادح
لفرقة قوم لا أحب فراقهم كأنك عنهم بعد يومين نازح
وأخبار صدق خبرت عن محمد يخبرها عنه إذا غاب ناصح
فتاك الذي وجهت يا خير حرة بغوري والنجدين حيث الصحاصح
إلى سوق بصرى في الركاب التي غدت وهن من الأحمال قعص دوالح
فخبرنا عن كل حبر بعلمه وللحق أبواب لهن مفاتح
بأن ابن عبد الله أحمد مرسل إلى كل من ضمت عليه الأباطح
وظني به أن سوف يبعث صادقاً كما أرسل العبدان هود وصالح

وموسى وإبراهيم حتى يرى له بهاء ومنشور من الذكر واضح
ومتبعه حياً لؤي جماعة شبابهم والأشيبون الجحاجح
فإن أبق حتى يدرك الناس دهره فإني به مستبشر الود فارح
وإلا فإني يا خديجة فاعلمي عن ارضك في الأرض العريضة سائح

حدثنا احمد: نا يونس عن محمد بن اسحق قال: وكانت قريش حين رفعوا بنيان الكعبة وسقوفها يترافدون على كسوتها كل عام، تعظيماً لحقها، وكانوا يطوفون بها، ويستغفرون الله عندها، ويذكرونه مع تعظيم الأوثان والشرك في ذبائحهم ودينهم كله، وقد كان نفر من قريش: زيد بن عمرو بن نفيل، وورقة بن نوفل بن اسد بن عبد العزى، وعثمان بن الحارث بن أسد بن عبد العزى، وعبد الله بن جحش بن رئاب، وكانت أمه أميمة بنت عبد المطلب بن هاشم حليف بني أمية، حضروا قريشاً عند وثن لهم كانوا يذبحون عنده لعيد من أعيادهم، فلما اجتمعوا خلا بعض أولئك النفر إلى بعض، قالوا: تصادقوا وليكتم بعضكم على بعض، فقال قائلهم: تعلمون والله ما قومكم على شيء لقد أخطأوا دين إبراهيم عليه السلام وخالفوه، ما وثن يعبد لا يضر ولا ينفع، فابتغوا لأنفسكم، فخرجوا يطلبون ويسيرون في الأرض يلتمسون أهل الكتاب من اليهود والنصارى والملل كلها، الحنيفية دين إبراهيم عليه السلام ،  فأما ورقة بن نوفل فتنصر، فاستحكم في النصرانية، واتبع الكتب من أهلها، حتى علم علماً كثيراً من أهل الكتاب.

فلم يكن فيهم أعدل أمراً، ولا أعدل شأناً من زيد بن عمرو بن نفيل، اعتزل الأوثان وفارق الأديان من اليهود والنصارى واملل كلها إلا دين إبراهيم يوحد الله عز وجل ويخلع من دونه، ولا يأكل ذبائح قومه، باداهم بالفراق لما هم فيه.

نا أحمد: نا يونس عن ابن اسحق قال: حدثني هشام بن عروة عن أبيه عن أسماء بنت أبي بكر قالت: لقد رأيت زيد بن عمرو بن نفيل مسنداً ظهره إلى الكعبة يقول: يا معشر قريش والذي نفس زيد بيده ما أصبح منكم أحد على دين إبراهيم غيري، ثم يقول: اللهم لو أني أعلم أحب الوجوه إليك عبدتك به، ولكني لا أعلمه، ثم يسجد على راحته.

نا أحمد: نا يونس عن ابن اسحق قال: حدثني بعض آل زيد بن عمرو بن نفيل أن زيداً كان إذا دخل الكعبة قال: لبيك حقاً حقاً تعبداً ورقاً، عذت بما عاذ به إبراهيم، وهو قائم، إذ قال: أنفي لك عان راغم مهما تجشمني فإني جاشم، البر أبغي لا الخال - يقول: لا الفخر - ليس مهجر كمن قال.

نا أحمد: نا يونس عن ابن اسحتى قال: حدثني هشام بن عروة قال: رواني عروة بن الزبير أن زيد بن عمرو بن نفيل قال:

أرباً واحداً أم ألف رب أدين إذا تقسمت الأمور
عزلت اللات والعزى جميعاً كذلك يفعل الجلد الصبور
فلا عزى أدين ولا ابنتيها ولا صنمي بني عمرو أدير
ولا غنماً أدين وكان رباً لنا في الدهر إذ حلمي يسير
عجبت وفي الليالي معجبات وفي الأيام يعرفها البصير
بأن الله قد أفنى رجالاً كثيراً كان شأنهم الفجور
وأبقى آخرين ببر قوم فيربك منهم الطفل الصغير
وبيننا المرء يعثر ثاب يوماً كما يتروح الغصن النضير
نا أحمد: نا يونس عن ابن اسحق قال: وقال زيد بن عمرو بن نفيل أيضاً:
أسلمت وجهي لمن أسلمت له الأرض تحمل صخراً ثقالا
وأسلمت وجهي لمن أسلمت له المزن تحمل عذباً زلالا
إذا هي شيقت إلى بلدة أطاعت فصبت عليها سجالا
وأسلمت وجهي لمن أسلمت له الريح تصرف حالا فحالا

نا أحمد: نا يونس عن ابن اسحق قال: وكان الخطاب بن نفيل قد آذى زيد ابن عمرو بن نفيل حتى خرج عنه إلى أعلى مكة، فترل حراء، مقابل مكة، ووكل به الخطاب شباباً من شباب قريش وسفهاء من سفائهم، فقال: لا تتركوه يدخل مكة، فكان لا يدخلها إلا سراً منهم، فإذا علموا بذلك آذنوا به الخطاب، فأخرجوه وآذوه كراهية أن يفسد عليهم دينهم، وأن يتابعه أحد منهم على فراقهم، وكان الخطاب عم زيد، وأخاه لأمه، وكان الخطاب عمه وأخوه لأمه مع سنه، فكان يعاتبه على فراق دين قومه حتى آذاه، فقال زيد بن عمرو وهو يعظم حرمته على من استحل من قومه ما استحل:

اللهم إني محرم لا أحلة

وإن بيتي أوسط المحلة

عند الصفا ليس بذي مظلة

نا أحمد نا يونس عن ابن اسحق قال: فحدثت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال وهو يحدث عن زيد بن عمرو بن نفيل: إن كان لأول من عاب علي الأوثان، ونهاني عنها، أقبلت من الطائف ومعي زيد بن حارثة حتى مررت بزيد بن عمرو وهو بأعلى مكة وكانت قريش قد شهرته بفراق دينها حتى خرج من بين أظهرهم، وكان بأعلى مكة، فجلست إليه ومعي سفرة لي فيها لحم يحملها زيد بن حارثة من ذبائحنا على أصنامنا، فقربتها له، وأنا إلام شاب، فقلت: كل من هذا الطعام أي عم، قال: فلعلها أي ابن أخي من ذبائحكم هذه التي تذبحون لأوثانكم؟ فقلت: نعم، فقال: اما إنك يا ابن أخي لو سألت بنات عبد المطلب أخبرنك أني لا آكل هذه الذبائح، فلا حاجة لي بها، ثم عاب علي الأوثان ومن يعبدها ويذبح لها، وقال: إنما هي باطل لا تضر ولا تنفع، أو كما قال.

قال؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فما تحسست بوثن منها بعد ذلك على معرفة بها، ولا ذبحت لها حتى أكرمني الله عز وجل برسالته صلى الله عليه وسلم.

نا أحمد: نا يونس عن المسعودي عن نفيل بن هشام عن أبيه قال: مر زيد بن نفيل على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى زيد بن حارثة، فدعواه إلى سفرة لهما، فقال زيد: يا ابن أخي إني لا آكل ما ذبح على النصب، قال: فما رئي رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ذلك اليوم يأكل شيئاً ذبح النصب.

نا أحمد: نا يونس عن ابن اسحق قال: وقد كان زيد أجمع على الخروج من مكة يضرب في الأرض، يطلب الحنيفية دين إبراهيم، فكانت إمرأته صفية ابنة الحضرمي كلما أبصرته قد ض إلى الخروج وأراده، آذنت به الخطاب بن نفيل، فخرج زيد إلى الشام يلتمس ويطلب في أهل الكتاب الأول دين إبراهيم، ويسأل عنه، فلم يزل في ذلك حتى أتى الموصل، أو الجزيرة كلها، ثم أقبل حتى أتى الشام، فجال فيها حتى أتى الموصل، أو الجزيرة كلها، ثم أقبل حتى إليه علم النصرانية، فيما يزعمون، فسأله عن الحيفية دين إبراهيم، فقال الراهب: إنك لتسأل عن دين نا أنت بواجد من يحملك عليه اليوم، لقد درست علمه، وذهب من يعرفه، ولكنه قد أظلك خروج نبي يبعث بأرضك التي خرجت منها بدين إبراهيم، الحنيفية، فعليك ببلادك فإنه مبعوث الآن، هذا زمانه، وقد كان شام اليهودية والنصرانية، فلم يرض شيئاً منهما
فخرج شريعاً- حين قال له الراهب ما قال- يريد مكة، حتى إذا كان بأرض لخم، عدوا عليه فقتلوه فقال ورقة بن نوفل، وكان قد اتبع مثل أثر زيد، لوم يفعل في ذلك ما فعل، فبكاه ورقه فقال:

رشدت وأنعمت ابن عمرو وإنما تجنبت تنوراً من النار حاميا
بدينك رباً ليس رب كمثله وتركك أوثان الطواغي كما هيا
وقد تدرك الإنسان رحمة ربه ولو كان تحت الأرض ستين وادياً

نا أحمد: نا يونس عن ابن أسحق قال: حدثني محمد بن جعفر بن الزبير، أو محمد بن عبد الرحمن بن عبد الله بن الحصين التميمي أن عمر بن الخطاب، وسعيد ابن زيد قالا: يا رسول الله نستغفر لزيد؟ فقال: نعم، فاستغفروا له، فإنه يبعث أمة وحده.

نا أحمد: نا يونس عن المسعودي عن نفيل بن هشام عن أبيه أن جده سعيد بن زيد سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أبيه ويد بن عمرو فقال: يا رسول الله إن أبي زيد بن عمرو كان كما رأيت، وكما بلغك، فلو أدركك آمن بك، فأستغفر له؟ قال: نعم، فاستغفر له فإنه يجيء يوم القيامة أمة وحده، وكان فيما ذكروا يطلب الدين، فمات وهو في طلبه.

نا أحمد نا يونس عن ابن اسحق قال: وكان حين أراد الله عز وجل كرامة نبيه صلى الله عليه وسلم، ورحمة العباد به واتخاذ الحجة عليهم، والعرب على أديان مختلفة متفرقة، مع ما يجمعهم من تعظيم الحرمة، وحج البيت، والتمسك بما كان بين أظهرهم من آثار إبراهيم صلى الله عليه وسلم، وهم يزعمون أنهم على ملته، وكانوا يحجون البيت على اختلاف من أمرهم فيه.

فكانت الحمس: قريش وكنانة، وخزاعة، ومن ولدت قريش من سائر العرب يلهون بحجهم، فمن اختلافهم أن يقولوا: لبيك، لا شريك لك إلا شريك هو لك، تملكه، وما ملك. فيوحد فيه بالتلبية، ثم يدخلون معه أصنامهم ويجعلون ملكها بيده- يقول الله عز وجل لمحمد صلى الله عليه وسلم: "وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون" ولا يخرجون من الحرم ولا يدفعون من المزدلفة، يقولون: نحن أهل الحرم، فلا نخرج منه، وكانوا يسكنون البيوت إذا كانوا حرماً، وكان أهل نجد من مضر يهلون إلى البيت ويقفون على عرفة.

نا أحمد نا يونس عن ابن اسحق قال: حدثني محمد بن مسلم بن شهاب الزهري عن عروة عن عائشة أنها قالت : أول ما ابتدئ به رسول الله صلى الله عليه وسلم من النبوة حين أراد الله عز وجل كرامته ورحمته ورحمة العباد به ألا يرى شيئاً إلا جاءت كفلق الصبح. فمكث على ذلك ما شاء الله عز وجل أن يمكث، وحبب الله عز وجل إليه الخلوة، فلم يكن شيء أحب إليه من أن يخلو وحده.

نا أحمد: نا يونس عن ابن اسحق قال: حدثني عبد الملك بن عبد الله بن أبي سفيان بن العلاء بن جارية الثقفي، وكان واعية، عن بعض أهل العلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أراد الله عز وجل كرامته، وابتدأه بالنبوة، كان لا يمر بحجر ولا شجر إلا سلم عليه وسمع منه، فيلتفت رسول الله صلى الله عليه وسلم خلفه وعن يمينه وعن شماله فلا يرى إلا الشجر وما حوله من الحجارة وهي تحييه بتحية النبوة:

السلام عليك، رسول الله، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخرج إلى حراء في كل عام شهرا من السنة ينسك فيه، وكان من نسك في الجاهلية من قريش يطعم من جاءه من المساكين، حتى إذا انصرف من مجاورته وقضاه لم يدخل بيته حتى يطوف بالكعبة حتى إذا كان الشهر الآخر الذي أراد الله عز وجل ما أراد من كرامته من السنة التي يبعثه فيها، وذلك شهر رمضان، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم كما كان يخرج لجواره، وخرج معه بأهله، حتى إذا كانت الليلة التي أكرمه الله عز وجل فيها برسالته، ورحم العباد به جاءه جبريل بأمر الله تعالى، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: جاءني وأنا نائم فقال: إقرأ، فقلت: وما اقرأ؟ حتى ظننت أنه الموت، ثم كشطه عني فقال: إقرأ، فقلت: وما أقرأ فعاد لي مثل ذلك ثم قال: إقرأ، فقلت: وما أقرأ؟ وما أقولها إلا تنجيا أن يعود لي بمثل الذي صنع بي فقال: "إقرأ بسم ربك الذي خلق. خلق الإنسان من علق. إقرأ وربك الأكرم الذي علم بالقلم علم الإنسان ما لم يعلم" ثم انتهى فانصرف عني، وهببت من نومي، وكأنما صور في قلبي كتاب، ولم يكن في خلق الله عز وجل أحد أبغض إلي من شاعر أو مجنون، كنت لا أطيق أنظر إليهما، فقلت: إن الأبعد- يعني نفسه، صلى الله عليه وسلم - لشاعر أو مجنون، ثم قلت: لا تحدث قريش عني ذا أبداً، لأعمدن إلى حالق من الجبل، فلأطرحن نفسي منه، فلأقتلنها، فلأستريحن، فخرجت ما أريد غير ذلك، فبينا أنا عامد لذلك سمعت منادياً ينادي من المساء يقول: يا محمد! أنت رسول الله، وأنا جبريل، فرفعت رأسي إلى السماء أنظر، فإذا جبريل في صورة رجل صاف قدميه في أفق السماء يقول: يا محمد! أنت رسول الله، وأنا جبريل، فوقعت أنظر إليه، وشغلني عن ذلك وعما أريد، فوقعت ما أقدر على أتقدم ولا أتأخر ولا أصرف وجهي في نحية من السماء إلا رأيته فيها، فما زلت واقفاً ما أتقدم ولأتأخر حتى بعث خديجة رسلها في طلبي حتى بلغوا مكة ورجعوا، فلم أزل كذلك حتى كاد النهار يتحول، ثم انصرف عني، وانصرفت راجعاً إلى أهلي حتى أتيت خديجة فجلست إلى فخذها مضيفاً إليها، فقالت: يا أبا القاسم أين كنت فو الله لقد بعثت رسلي في طلبك حتى بلغوا مكة ورجعوا، فقلت لها: إن الأبعد لشاعر أو مجنون، فقالت: أعيذك بالله يا أبا القاسم من ذلك، ما كان الله عز وجل ليفعل بك ذلك معما أعلم من صدق حديثك، وعظم أمانتك، وحسن خلقك، وصلة رحمك، وما ذاك يا ابن عن، لعلك رأيت شيئاً أو سمعته؟ فأخبرا الخبر، فقالت: أبشر يا بن عم، واثبت له، فو الذي تحلف به إني لأرجو أن تكون نبي هذه الأمة، ثم قامت فجمعت ثياا عليها، ثم انطلقت إلى مروقة بن نوفل- وهو ابن عمها، وكان قد قرأ الكتب، وكان قد تنصر، وسمع التوراة والانجيل، فاخبرته الخبر، وقصت عليه ما قص عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه رأى وسمع، فقال ورقة: قدوس قدوس، والذي نفس ورقة بيده لئن كنت صدقتني يا خديجة، إنه لنبي هذه الأمة، وإنه ليأتيه الناموس الأكبر الذي كان يأتي موسى عليه السلام، فقولي له فليثبت، ورجعت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته ما قال لها ورقة، فسهل ذلك عليه بعض ما هو فيه من الهم بما جاءه فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم جواره صنع كما كان يصنع، بدأ بالكعبة فطاف ا، فلقيه ورقة وهو يطوف بالكعبة، فقال ورقة: والذي نفس ورقة بيده إنه ليأتيك الناموس الأكبر الذي كان يأتي موسى عليه
السلام، وإنك لنبي هذه الأمة، ولتؤذين، ولتكذبن، ولتقاتلن، ولتنصرن، ولئن أنا أدركت ذلك لأنصرنك نصراً يعلمه الله، ثم أدنى إليه رأسه فقبل يا فوخه، ثم انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى منزله وقد زاده الله عز وجل من قول ورقة ثباتاً، وخفف عنه بعض ما كان فيه من الهم.

نا أحمد: نا يونس عن قرة بن خالد قال: حدثني أبو رجاء العطاردي قال: أول سورة نزولت على محمد صلى الله عليه وسلم: "إقرأ باسم ربك الذي خلق". نا أحمد: نا يونس عن ابن اسحق قال: وقد قال ورقة بن نوفل بن أسد بن عبد العزى بن قصي فيما كانت ذكرت له خديجة من أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيما يزعمون:

إن بك حقاً يا خديجة فاعلمي حديثك إيانا فأحمد مرسل
وجبريل يأتيه وميكال معهما من الله وحي يشرح الصدر منزل
يفوز به من فاز فيها بتوبة ويشقى به العاتي الغوي المضلل
فريقان منهم فرقة في جنانه وأخرى بأحواز الجحيم تغلل
إذا ما دعوا بالويل فيها تتابعت مقاطع في هاماتهم ثم من عل
فسبحان من تهوى الرياح بأمره ومن هو في الأيام ما شاء يفعل
ومن عرشه فوق السموات كلها وأقضاؤه في خلقه لا تبدل

وقال ورقة في ذلك أيضاً:

يا للرجال لصرف الدهر والقدر وما لشيء قضاه الله من غير
حتى خديجة تدعوني لأخبرها وما لها بخفي الغيب من خبر
جاءت لتسألني عنه لأخبرها أمراً أراه سيأتيالناس من اخر
فخبرني بأمر قد سمعت به فميا مضى من قديم الدهر والعصر
بأن أحمد يأتيه فيخبره جبريل إنك مبعوث إلى البشر
فقلت على الذي ترجين ينجزه لك الإله فرجي الخير وانتظرى

وأرسليه إلينا كي نسائله عن أمر ما يرى في النوم والسهر
فقال حين أتانا منطقاً عجباً يقف منه أعالي الجلد والشعر
إني رأيت أمين الله واجهني في صورة أكملت في أهيب الصور
ثم استمر فكاد الخوف يذعرني مما يسلم ما حولي من الشجر
فقلت ظني وما أدري أيصدقني أن سوف يبعث يتلو منزل السور
وسوف أبليك إن أعلنت دعوتهم من الجهاد بلا من ولا كدر

حدثنا أحمد: نا يونس بن بكير عن محمد بن إسحق قال: حدثني عبد الله ابن أبي بكر عن أبي جعفر قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم تصيبه العين بمكة، فتسرع إليه قبل أن يترل عليه الوحي فكانت خديجة إبنة خويلد تبعث إلى عجوز بمكة ترقيه، فلما نزل عليه القرآن فأصابه من العين تحو مما كان يصيبه، فقالت له خديجة: يا رسول الله ألا أبعث إلى تلك العجوز فترقيك؟ فقال: أما الآن فلا.

نا أحمد: نا يونس عن هشام بن عروة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: مت من نبي إلا وقد رعى الغنم، فقيل: وأنت يا رسول الله؟ قال: وأنا.

نا أحمد: نا يونس عن يونس بن عمرو عن أبيه عن عبيدة النصري قال: تفاخر رعاء الإبل ورعاء الغنم عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فأوطأهم رعاء الإبل غلبة، فقالوا: ما أنتم يا رعاء النقد، هل تحمون أو تصيدون، ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس، فتكلم فقال: بعث موسى عليه السلام وهو راعي غنم، وبعث داود وهو راعي غنم، وبعث أنا، وأنا راعي غنم أهلي بأجياد، فغلبهم رسول الله صلى الله عليه وسلم.

نا أحمد: نا يونس عن عبيد بن عتيبة العيذي عن وهب بن كعب بن عبد الله بن سور الأزدي عن سلمان الفارسي أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إنه ليس من نبي إلا وله وصي وسبطان، فمن وصيك وسبطاك؟ فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يرجع شيئاً، فانصرف سلمان يقول: يا ويله، يا ويله كلما لقيه ناس من المسلمين قالوا: مالك سلمان الخير؟ فيقول سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن شيء، فلم يرد علي، فخفت أن يكون من غضب، فلما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الظهر قال: أدن يا سلمان، فجعل يدنو ويقول: أعوذ بالله من غضبه وغضب رسوله، فقال: سألتني عن شيء لم يأتني فيه أمر، وقد أتاني أن الله عز وجل قد بعث أربعة آلاف نبي، وكان أربعة آلاف وصي وثمانية آلاف سبط، فو الذي نفسي بيده لأنا خير النبيين، وإن وصيي لخير آخر الجزء الثاني -يتلوه في الثالث إن شاء الله: نا أحمدك نا يونس عن ابن اسحق قال: ثم بعث الله عز وجل محمداً صلى الله عليه وسلم رحمة للعالمين، وكافة للناس. والحمد لله حق حمده وصلواته على محمد سيد المرسيلن وعلى أله الطيبين الظاهرين وسلم تسليماً كثيراً، وحسبنا الله ونعم الوكيل.

Read 3720 times